أطلق التنين بداخلك.
كيف تستدعي هذه الطاقة الكامنة؟
عندما شرعت في الكتابة إذا بي أتوقف لفترة أو لبرهة من الزمن، أهذه كتب التنمية البشرية والذاتية التي قرأتها، قد أصابت عقلي للتوّ بإعصار وفيضان من المشاعر الإيجابية فقط أم أنني أشعر أن عليَّ إيصال رسالة ما لفرد ما في مجتمع ما، أو علني ألقي بهذا الحبر على الأرض فلا يقرأه أحد سواي؟
لعل هذا أو ذاك، لكن في حقيقة الأمر أن لكل واحد منّا قوة كامنة بداخله، أحسبها عملاقاً أو تنيناً، ولكن هذا العملاق أو هذا التنين الأسطوري أصبح خاملاً مع الأيام كنتيجة لكلام أحد المديرين المحبط “أنت لن تقدر- طول عمرها تسير هكذا.. إلخ” أو لكلام الأهل “أنت فاشل – ستبقى طوال عمرك فاشلاً – أراهنك إن فلحت يوماً ما.. إلخ” كل الكلام هذا خُزّن في مستوًى من مستويات الوعي الدفين، أصبح مكتظاً بالأتربة في غرفة مظلمة أسميها غرفة الكراكيب، كل هذا الكلام المحبط محمولٌ على ظهورنا لا نكاد نسمع صوته، نستيقظ كل يوم في هذه الدائرة المفرغة التي لا تكاد تنتهي.
يا ترى هل تجلس في العمل لساعات لحبّك به أم أنك تهرب من شيء ما، شخص ما، أم تهرب من نفسك؟
حاول الإجابة بصدق؛ صدّقني أصعب إجابة هي أن تكذب على نفسك، لأن نفسك ستكون الحَكم عليك اليوم، وصدقاً إذا ما قلت لك أنك لن تهرب منها، وإذا هربت منها يوماً لن تهرب لسنوات قادمة.
إن هذه الطاقة فيك منذ الصغر، كل ما عليك هو التصالح مع العلاقات التي لم تكتمل أو بالأدق المواقف التي لم تُحسم أو تنتهي، كثير منّا له مواقف سواء من صديق أم حبيب أو حبيبة سابقة أم مدير لم تنتهِ، وكما أشار الطببب محمد طه في كتابه “الخروج عن النص” بشكل دقيق وقريب للفهم عن هذه العلاقات المؤذية، وكذلك المواقف التي لم تنتهِ على أنها مخزَّنة في مكان ما بطريقة ما.
لعلك اليوم تفكّر في هذا المرض الذي فجأة أصابك، ما هو إلا مشاعر أو مواقف مخزَّنة تفاقمت في جزء من الجسد؛ أدّت إلى علل في هذا العضو، يا ترى كم عدد المخزِّن عندك؟ وأين بالضبط؟ هل سامحت نفسك أولاً قبل غيرك؟
بالنسبة لنا الأصعب هو مسامحة النفس على الخطأ أو الزلات الخفيفة والثقيلة منها شخصياً، عندما أتذكر بعض المواقف أقول: “كم كنت غبياً جداً وقتها، ولم أكترث بها!”، مثل هذه المواقف كل ما تحتاجه منك هو عنصر الشجاعة؛ لأن هذا التنين شجاع لم يُخلق للخوف، وإن الخوف ليس عدواً كما يظنه البعض، بل هو نظام للحماية من المجهول ومن الصعب ومن الفائق للقدرات.
سامح هذا الخوف واستغله وحوِّله إلى الطاقة الكامنة، اسمح له بالبقاء، تحدَّث معه على انفراد، متى آخر مرة جلست بها بمفردك دون هذا الضجيج، دون هذه الأصوات الأخرى، إن أصعب الرحلات على الإطلاق التي تبدأ من الداخل إلى الخارج، إنه صوت الوعي، صوت الحكمة الداخلية، صوت الماء والتراب، وصوت الماس المضغوط عليه بشدة ليظهر هذا البريق، إنه صوت العملاق الكامن والتنين الصامت في الليل الأسود، منتظراً اللحظة السانحة ليزفر هذا اللهب الأصفر، مطلقاً العنان للسماء، للأفق في انتظار صفارة البدء.
لست هنا أحدِّثك عن أوهام، بل عن معجزات في طريقها للحدوث إذا ما آمنت بقدرتك التي ولدت بها، إذا ما آمنت باللَّه سبحانه وتعالى، إنه لم يخلقك عبثاً، بل خلقك لهدف، لكل منا هدف في هذه الحياة، لذلك خلقنا، لم نولد لمجرد التواجد فقط، بل ليكمل بعضنا الآخر، خُلقنا لنكون واحداً، لنساعد بعضنا البعض، هكذا هي الحياة مزيجٌ من الحب والألم، فإن الأم التي تلد مولوداً لا بدّ لها أن تشعر بالألم، فالألم هو بداية الولادة الجديدة، إن أي بداية جديدة لابد أن يصحبها الألم، هكذا هي الحياة، لذلك مهما كان وضعك فإن المحارب في انتظار اللحظة السانحة لتجربة قوته الداخلية، اسمح لهذا المحارب ودعه ينطلق إلى الساحة التي طالما كانت تنتظره، ليأخذ الدور المحدد له كما هو بالأعلى هو بالأسفل، وكما هو بالداخل هو بالخارج، أنت جزء من هذا العالم وهذا العالم جزء منك، لست شيئاً غريباً أو مختلفاً.
اسمع صوت هذا التنين، أطلق سراحه الآن مهما طال العمر؛ فإنها اللحظة السانحة لإطلاق سراحه، لا تقل إن الوقت ليس مناسباً، بل هو الأنسب، إذا ما كنت تفكّر في أي شيء فابدأه الآن، ولا تنظر للخلف، إذا كنت مررت بعلاقة فاشلة أو أُصبت بمرض ما أو فقدت وظيفتك أو فقدت شخصاً غالياً، فلا تدع المشاعر تغمرك، كل ما عليك الإيمان والاستمرار أن القادم أفضل.
في هذه الحياة ستعلّمك الفقد سواء كان فقداً للأشياء التي تحبها أم الأشخاص الذين تحبهم، أعلم أنه أمر صعب، لكنني أشرت أنها سنة الحياة، إن الألم موجود ليعلمنا شيئاً ما، مهما كان الألم صعباً في بادئ الأمر، أراني الآن أمام آية كريمة:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
“إنّ مع العسر يسرا، إنّ مع العسر يسرا”.
آية تحمل العديد من المعاني، إن اليسر والعسر في نفس الاتجاه يعملان معاً في آن واحد، فمهما طال العسر فإن في طياته اليسر، والعكس صحيح.
لذلك فإن هذا المحارب وهذا التنين كل ما يحتاج إليه هو الوقت لينمو، يحتاج إلى الظهور، والحب، والتفاعل، والنظر إليه، وأن تدعوه ليجلس معك أولاً، وتتعرف إليه ثم بعد ذلك تنظف هذه الغرفة البالية الممتلئة بالأشياء الخربة، وبعد عملية التنظيف سيبدأ هذا التنين بالنمو، ستبدأ الصحوة، سيعمل معك إلى طريق النجاح بإذن اللَّه.
أعلم ربما كلماتي غريبة بعض الشيء أو أصابها شيء من الصدأ، لكنني أجدها نابعة من وعيي الحالي، وما أفكر به من معانٍ يملؤها الحب والعاطفة والأمل، نابع من مكان صادقٍ ألا وهو القلب، أمَا آن الأوان أن تطلق العنان لهذا التنين؟